قُبّعات من ورق
الثلاثاء، 9 مارس 2010
0
التعليقات
إحدى المشكلات التي يواجهها كتّاب المقالة اليومية هي العناوين، وهم قلّما يجهرون بها، ومنهم من يضع العنوان أولاً ثم يكتب تحت مظلته، أو مصباحه، كمن يرتدي القبعة أولاً ثم يرتدي ثيابه. ومنهم من يفعل العكس، إذ ينتظر استكمال الفكرة واستنفاد ممكناتها ثم يضع القبعة على رأسه أو رأس المقال.
وقد تبدو هذه المسألة شكلية أو إجرائية عابرة لكن اضطرار الكاتب إلى تغيير عنوان مقال قبيل النشر بساعات، لا بد أن له أسباباً قد لا تخطر ببال القارئ العزيز.
وللعناوين حكاية تطول لو فتحنا ملفها، فقد سادت في مرحلة ما عناوين رومانسية لا علاقة لها بالمقالات أو الكتب التي تقع تحت مظلاتها، وقد يظن القارئ لأول وهلة أن كتاباً بعنوان الدراما الآسيوية هو عن المسرح في آسيا، لكن ما إن يقلب الصفحة الأولى من الكتاب حتى يجده مليئاً بالجداول والإحصاءات عن الأوضاع الاقتصادية في القارة العجوز.
وآخر ما يخطر ببال قارئ كتاب “الجرح والقوس” لناقد بريطاني أن الكتاب ليس شعراً أو رواية بل هو سلسلة من المقالات الفكرية، كما أن كتاب “الطريق إلى فنلندا” ليس في الجغرافيا بل في التاريخ والمفاهيم والأفكار.
وحين أخبرني صديق ذات يوم بأن عنوان كتابه الذي أعده للنشر هو “شجر الغابة الحجري” ظننت للوهلة الأولى أنه كتاب جيولوجي ثم فوجئت بأنه كتاب في نقد الشعر، والأطرف من هذا كله أنني أصدرت كتاباً قبل فترة ليست قصيرة بعنوان “الكف والمخرز”، وعلمت أن عدداً من القراء ظنوا أنه المادة التلفزيونية التي حملت هذا الاسم، وهو في الحقيقة دراسة سوسيولوجية وسياسية لأوضاع فلسطين بعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967.
وآخر ما انتبه إليه ناشر كتاب “جيري روبين” الذي حمل عنواناً غريباً هو “اسرق هذا الكتاب” هو أن الطلبة الأمريكيين سينفذون أمر المؤلف ويسرقون نسخ الكتاب بالفعل من المكتبات والأكشاك.
وما يضاعف من تشابه العناوين والمانشيتات في الصحف العربية هذه الأيام هو الأحداث المتكررة، والوتر الواحد المشدود بين المحيط والخليج، إذ يندر في الآونة الأخيرة أن يقرأ الناس شيئاً خارج المدارات الثلاثة: فلسطين والعراق ولجان التحقيق في اغتيال الراحل الحريري، إضافة الى مدار رابع أضافته الولايات المتحدة وأوروبا مؤخراً وهو المفاعلات النووية الإيرانية.
ويذكرنا هذا التكرار الأشبه بشرّ لا بد منه بحكاية رواها أحد المؤرخين عن الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، فقد قال إن شوبنهاور كان يتردد يومياً على مطعم بريطاني، ولا يسمع من الزبائن غير حديث متكرر عن الخيل والنساء والطقس، ثم قرر أن يضع على مائدته جنيهاً ذهبياً في كل مرة يدخل فيها الى المطعم، وحين سأله نادل المطعم عن السبب قال إنه رهان بينه وبين نفسه، فهو سيترك الجنيه على المائدة إذا تحدث الإنجليز في شأن رابع.
نعم، إن العناوين سواء كانت لكتب أو لمقالات هي أشبه بالقبّعات، وحين يرتدي ألبرت اينشتاين مثلاً القبعة ذاتها التي يرتديها البقال أو بائع النقانق، فإن هذا لا يكفي قاسماً مشتركاً.. خصوصاً بعد أن يخلعوا قبعاتهم.
Read the full story
وقد تبدو هذه المسألة شكلية أو إجرائية عابرة لكن اضطرار الكاتب إلى تغيير عنوان مقال قبيل النشر بساعات، لا بد أن له أسباباً قد لا تخطر ببال القارئ العزيز.
وللعناوين حكاية تطول لو فتحنا ملفها، فقد سادت في مرحلة ما عناوين رومانسية لا علاقة لها بالمقالات أو الكتب التي تقع تحت مظلاتها، وقد يظن القارئ لأول وهلة أن كتاباً بعنوان الدراما الآسيوية هو عن المسرح في آسيا، لكن ما إن يقلب الصفحة الأولى من الكتاب حتى يجده مليئاً بالجداول والإحصاءات عن الأوضاع الاقتصادية في القارة العجوز.
وآخر ما يخطر ببال قارئ كتاب “الجرح والقوس” لناقد بريطاني أن الكتاب ليس شعراً أو رواية بل هو سلسلة من المقالات الفكرية، كما أن كتاب “الطريق إلى فنلندا” ليس في الجغرافيا بل في التاريخ والمفاهيم والأفكار.
وحين أخبرني صديق ذات يوم بأن عنوان كتابه الذي أعده للنشر هو “شجر الغابة الحجري” ظننت للوهلة الأولى أنه كتاب جيولوجي ثم فوجئت بأنه كتاب في نقد الشعر، والأطرف من هذا كله أنني أصدرت كتاباً قبل فترة ليست قصيرة بعنوان “الكف والمخرز”، وعلمت أن عدداً من القراء ظنوا أنه المادة التلفزيونية التي حملت هذا الاسم، وهو في الحقيقة دراسة سوسيولوجية وسياسية لأوضاع فلسطين بعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967.
وآخر ما انتبه إليه ناشر كتاب “جيري روبين” الذي حمل عنواناً غريباً هو “اسرق هذا الكتاب” هو أن الطلبة الأمريكيين سينفذون أمر المؤلف ويسرقون نسخ الكتاب بالفعل من المكتبات والأكشاك.
وما يضاعف من تشابه العناوين والمانشيتات في الصحف العربية هذه الأيام هو الأحداث المتكررة، والوتر الواحد المشدود بين المحيط والخليج، إذ يندر في الآونة الأخيرة أن يقرأ الناس شيئاً خارج المدارات الثلاثة: فلسطين والعراق ولجان التحقيق في اغتيال الراحل الحريري، إضافة الى مدار رابع أضافته الولايات المتحدة وأوروبا مؤخراً وهو المفاعلات النووية الإيرانية.
ويذكرنا هذا التكرار الأشبه بشرّ لا بد منه بحكاية رواها أحد المؤرخين عن الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، فقد قال إن شوبنهاور كان يتردد يومياً على مطعم بريطاني، ولا يسمع من الزبائن غير حديث متكرر عن الخيل والنساء والطقس، ثم قرر أن يضع على مائدته جنيهاً ذهبياً في كل مرة يدخل فيها الى المطعم، وحين سأله نادل المطعم عن السبب قال إنه رهان بينه وبين نفسه، فهو سيترك الجنيه على المائدة إذا تحدث الإنجليز في شأن رابع.
نعم، إن العناوين سواء كانت لكتب أو لمقالات هي أشبه بالقبّعات، وحين يرتدي ألبرت اينشتاين مثلاً القبعة ذاتها التي يرتديها البقال أو بائع النقانق، فإن هذا لا يكفي قاسماً مشتركاً.. خصوصاً بعد أن يخلعوا قبعاتهم.